فؤاد ابراهيم
إعلان الملك عبد الله يوم الأحد الماضي 25 أيلول (سبتبمر) في كلمة أمام مجلس الشورى عن تمثيل المرأة في مجلس الشورى المعيّن، والمجالس البلدية نصف المنتخبة يمثّل، مع رعاية كل التحفّظات، ربحاً أنثوياً صافياً. فقرار بهذا الحجم، المتعارض في جوهره مع المحافظة الدينية الصارمة، هو ثمرة نضال نسوي دؤوب وطويل. فلا الضغط الأميركي الذي تراجع بصورة كاملة منذ عام 2007 (بحسب كريستوفر ويلكي، باحث أساسي في هيومان رايتس ووتش عن تقرير للمنظمة لهذا العام) له دخل في هذا القرار، ولا حتى التيار الإصلاحي المحلي الذي خضع تحت تأثير نوبات الترويع منذ آذار 2003، أفاض على الحركة النسوية من حماسته المغدورة.
والحال، انفردت المرأة في السعودية بحركة مطلبية ناشطة، وناضلت على مدى عقود لجهة كسر المحظور الاجتماعي والسياسي، وإرساء أسس متينة لمطالب مشروعة، فتدرّبت على العمل السياسي والديموقراطي والحقوقي عبر انخراطها في ورش عمل ومنتديات ومؤتمرات إقليمية ودولية، وكسرت «التابو» في انضمامها منذ مطلع الألفية الثالثة لدورات التدريب في أرجاء مختلفة من العالم، بهدف إتقان أدوات الفعل الحقوقي والانتخابي التنافسي واكتساب الخبرات والمهارات السياسية والحقوقية. ورسمت النساء في السعودية هدفاً أعلى من خلال المساهمة في (بناء شبكة إقليمية من النساء اللواتي يتمتعن بالمؤهلات اللازمة لخوض غمار الحياة الانتخابية في المستقبل) بحسب الناشطة الحقوقية منال الشريف. لقد بات المستقبل.. الآن هنا، في قلب مملكة الصمت، والتمييز، والكراهية واقعاً مفروضاً.
قرار الأمس يعكس مستوى الخطر الذي بلغه النشاط النسوي، ويكفي في عنفوانه وزخمه المطّرد أنه كسر تعهّداً سابقاً للأمير نايف، وزير الداخلية، بأن المرأة لن تجلس تحت قبة مجلس الشورى وهو على قيد الحياة (خلال زيارته للكويت في شباط 2011 صرّح بأن المرأة لن تشارك في مجلس الشورى أو المجالس البلدية).
انتقادات جمّة وردت وترد على الإعلان الأخير للملك، بدءاً من الوعي المتأخّر بدور المرأة في تاريخ الإسلام المبكّر وصولاً الى الرفض بأثر رجعي لـ (تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي) بحسب نص الإعلان. هل يبدو مستهجناً في ثقافة القرن الحادي والعشرين تقديم نساء عريضة الى رئيس الدولة بطلب السماح بقيادة المرأة للسيارة، كما حصل بمناسبة اليوم الوطني في السعودية لعام 1428هـ/2007م.
لا ريب، أن المقاربة الأنثوية لمطلب التغيير السياسي في السعودية يمثل هتكاً مشروعاً للحجج البائسة التي تقدّم في هيئة «تابوات» عبثية يتواطؤ السياسي والديني على توظيفها في تغذية وتبرير النزوعات الإقصائية، بغرض إدامة أمد الاحتكار الغاشم للسلطة. إن عقد النقص عند الذكور تنعكس في هيئة قرارات جائرة ضد المرأة، وفي المستوى السياسي، يتمّ معاقبة الرجال عن طريق قمع النساء.
من جهة أخرى، إن جناية التقليد الاجتماعي الذي يجعل من المرأة كائناً عاريّاً هي المسؤول عن التمرّد الاجتماعي بأشكال شتى، كما عبّر عنه برنامج (قاوم السلطة: السعودية) الذي بثّ على قناة (إم تي في) الأميركية في أيار (مايو) 2010.
إن شيطنة المرأة في الثقافات الشعـبية البدائية، خلقت بيئة كئيبة ومخادعة وتالياً متناقضة، الأمر الذي أفضى إلى فصام ذهني ونفسي. فالعقل النبذي لا يتخلى بسهولة عن موروث عقيم يرى في (صوت المرأة عورة)، ثم يصحو فجأة على صرخة أنثوية تطالب ليس بقيادة السيارة فحسب، رغم الحميّة الهزيلة والزخم الهزلي المرافق لمعركة من هذا القبيل، ولكن بتمثيل سياسي مكافئ للرجال..في سؤال بتـاريخ 3 آذار (مارس) 2005 لعلماء كبار (البرّاك والجبرين والراجحي) في المؤسسة الدينية الرسمية عن حكم مشاركة المرأة في عضوية مجالس إدارات الغرف التجارية والصناعية، جاءت الإجابة بالتحريم لأن مشاركتها في هذه المجالس (يلزم منه الاختلاط المحرم بين الأعضاء من الرجال والنساء بجلوس بعضهم الى جنب بعض ونظر بعضهم الى بعض..)، وعليه (فلا يجوز للمسلمة ان تدخل في هذه المجالس ولا يجوز التصويت لمن ترشح نفسها للعضوية فيها، فإن ذلك من التعاون على الإثم).
طيف من فتاوى التحريم الخاصة بالمرأة: السفر بدون محرم (ذكر)، قيادة السيارة، العمل في وظيفة محاسبة أو محلات بيع الملابس، المشاركة في النشاطات العامة، ممارسة الرياضة.
في المقابل، تنص المواد (1،2،6،7،13،16) من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 وبصورة واضحة وقاطعة على الحقوق الثابتة للمرأة، بوصفها فرداً في جماعة بشرية، وهي تمثل اليوم مطالب رئيسية للمرأة في السعودية. في جلستها الأربعين في الفترة ما بين 14 كانون الثاني (يناير) ـ 1 شباط (فبراير 2008، رصدت لجنة إزالة التمييز ضد المرأة التابعة لهيئة الأمم المتحدة الملاحظات النهائية الرامية إلى إزالة التمييز ضد النساء في السعودية.
جدير بالملاحظة، أن السعودية تحفظت على المعاهدة الخاصة بمكافحة التمييز ضد المرأة، بحجة عدم انطباق كل بنودها مع الشريعة الإسلامية، ما اعتبر محاولة هروبية، حيث أوضحت اللجنة بأن (ليس هناك أي تناقض من حيث الجوهر بين المعاهدة والشريعة الإسلامية).. نذكّر أيضاً بأن السعودية صادقت على معاهدة الأمم المتحدة لحقوق المرأة في أيلول (سبتمبر) 2000، وامتنعت عن المصادقة على البروتوكول الإضافي لمعاهدة الأمم المتحدة لحقوق المرأة، وتحفظت على مواد الاتفاقية الأصلية التي تشمل مكافحة جميع أنواع التمييز ضد النساء، وضمان حقوقهن السياسية والشخصية. ولهذا، بقيت المرأة تعاني، ولا تزال، من تمييز كبير في محاور عدّة تنظر إليها المنظمات الحقوقية بأنها أولوية في مسيرة الإصلاح ومن بينها: موضوع المحرم ووصايته على المرأة، وحقوق الاختيار والموافقة على الزواج والوصاية القانونية على الأطفال خاصة بعد الطلاق، وحق المرأة في التنقّل وقيادة السيارة، إضافة الى حقها الكامل في الرعاية الصحية والتعليم، وحقوقها الثابتة في القضاء، والعمل، والأحوال الشخصية، والسكن، وصولاً الى المجال السياسي حيث التمثيل شبه المعدوم للمرأة في أي من السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية، بكل تفريعاتها وأذرعها.
من ملف التمييز ضد المرأة في السعودية تذكر الناشطة الإصلاحية وجيهة الحويدر التي وصفت السعودية بأنها (أكبر سجن في العالم)، في إشارة الى عدم السماح للنساء بالسفر خارج البلاد من دون رخصة المحرم. وأيضاً في السعودية، تمثل الإناث نحو 60 في المئة من عدد متخرجي مرحلة البكالوريوس، ولكن حصّتهن في القوى العاملة مجتمعة تتراوح بين 4 ـ 6 في المئة فقط. أما حضور المرأة في الوفود السعودية إلى الخارج أو حتى تسنمها مناصب في الجهاز البيروقراطي (نورة الفايز مثالاً) فلا يعبّران عن قناعة أصيلة بالمشاركة على قاعدة المساواة بين الجنسين، بل هي بمثابة خدع بصرية او تسليع ساذج في زمن لم يعد فيه التحايل ممكناً في ظل انفجار ظاهرة الفيمينزم كونياً. نذّكر ذوي النيات السيئة: أن مشاركة المرأة في الوفود الخارجية لا يندرج بحال ضمن (الخلوة غير الشرعية) أو (السفر بغير محرم)، فصمت علماء المؤسسة الدينية الرسمية وأشباهها يضمر براءة شرعية غير قهرية على الإطلاق!
الإلحاح على «خصوصية» و«فرادة» النموذج السعودي يومئ، بسوء، إلى نيّة مبيّتة بتعطيل مفعول «المقارنة» و«المقابلة» كأداتي تحريض على الاحتجاج السياسي. المرأة في السعودية ترى في الخصوصية صنماً ذهنياً لناحية ترسيخ الجمود المجتمعي والسياسي. لا عجب أن الجدل في شؤون المرأة السعودية لا يبرح البدهي والفطري، فالأسئلة تحوم حول خلق المرأة (قصور ذهني، وضعف جسدي)، ولا تلامس البته مجال الحقوق المشروعة الأساسية أو المكتسبة. لم يُنظر الى المرأة على أنها كائن متحوّل، بل يجب أن تبقى النساء كياناً مغلقاً، جامداً، ومستوراً. المرأة في وعي المسكونين بالوصمة الأنثوية يرون فيها كائناً ناقصاً، قاصراً، شرّيراً. في كلمة للأمير نايف أمام مدراء هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في 20 أيلول (سبتمبر) 2006، وفي ردّه على مطالب المرأة في السعودية وجّه نقداً لاذعاً لمن أسماهم بـ (المتغرّبين) وقال إنهم (يريدون أن يدفعوا بها ـ أي بالمرأة ـ الى المراقص والملاهي).
فما جرى بالأمس هو إنصياع محفوف بنزعة احتيال، حيث يصار إلى إدخال المرأة في لعبة الخداع بهدف احتواء أخطار محدقة بالكيان. ليتخيّل المراقبون ماذا لو خرجت النساء في تظاهرات مليونية كيف سيصبح حال السعودية؟ وفي بلد يعتبر فيه التمّاس المباشر مع المرأة إثماً عظيماً، تتاح فيه فرصة قيادتها للحركة المطلبية الوطنية مدعومة من منظمات حقوقية دولية نسويّة.
المرأة في السعودية ستصبح قوة تغيير جبّارة، إذا ما ركلت أحكام التحريم الكنسي الصادرة عن السياسي والديني على السواء، بهدف تأبيد حرمانها السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ما يلزم إدراكه أن حقوق المرأة في السعودية تعد الأقل بالمقارنة ليس مع دول العالم المتقدّم بل حتى مع دول الجوار التي تجاوزت أساطير التقليد والعرف كستار وهمي لانتهاك حقوق المرأة.. وهناك مشوار طويل امام المرأة في بلادنا لا بد لها من قطعه من أجل بلوغ الأهداف الكبرى في مجال المشاركة الفاعلة في الحياة العامة، فقرار تمثيلها في مجلس الشورى والمجالس البلدية في الدورات القادمة لا يعني أكثر من خدعة بصرية أخرى، إن لم يكن وأد الفعل النسوي الذي بات الأكثف حضوراً في المشهد السياسي السعودي.
([) باحث في الفكر السياسي من السعودية
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق