:. بمناسبة تدشين خادم الحرمين الشريفين مشاريع عملاقة وتاريخية بمكة المكرمة، ومنها ساعة مكة المكرمة في رمضان 1432هـ، منها كان لنا لقاء مع الزميل الدكتور عبدالله المسند عضو هيئة التدريس بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم، والمشرف العام على جوال كون، ليحدثنا عن مسائل تتعلق بالموقع الجغرافي لمكة المكرمة، وعن الوقت والتوقيت في السعودية.
السعودية مساحة واسعة، فهل التوقيت فيها واحد؟
:. إذا كنت تقصد بالتوقيت التوقيت المدني، فإنه توقيت واحد لكل المناطق الثلاث عشرة، أما إذا كنت تقصد بالتوقيت الشرعي، فإنه يتبع حركة الشمس الظاهرية، وعليه هناك اختلاف بين المناطق في السعودية، فعلى سبيل المثال: الفارق الزمني بين الساحل الشرقي (الدمام) والغربي (الوجه) 55 دقيقة، أي أن مدينة الدمام تسبق محافظة الوجه بـ 55 دقيقة في الشروق والغروب، وأيضاً أوقات الصلوات طول العام، لوقوعهما على دائرة عرض جغرافية واحدة، وبعبارة أخرى وقت الصلاة يدخل في الساحل الشرقي، وينصرف المصلون من الصلاة، قبل أن يدخل وقت الصلاة ذاتها في الساحل الغربي!!، لذا ينبغي مراعاة فارق التوقيت بين الشرق والغرب في الاتصال والمواعيد.
ينادي البعض في تمديد الفارق بين صلاتي المغرب والعشاء ليكون ساعتين بدلاً من ساعة ونصف، على غرار شهر رمضان فما رأيك؟
:. في رمضان أؤيد الفكرة تماماً، وفي في بقية السنة الفكرة لها إيجابياتها كما لها سلبياتها، ومن إيجابياتها إعطاء فسحة ومهلة للناس بين الصلاتين لأن يتحركوا في حاجاتهم في ظل بطء الحركة في المدن الكبيرة على سبيل المثال، ومن السلبيات أن البعض وخاصة النساء قد يؤخرن صلاة المغرب حتى قُبيل أذان العشاء ظناً منهم أن وقت المغرب يمتد حتى وقت العشاء الاصطلاحي.
في رمضان على وجه الخصوص دائماً تُثار مسألة وقت دخول الفجر، ويزعم البعض أن تقويم أم القرى فيه تقديم ما تعليقكم؟
:. عندي الكثير من المعلومات الرقمية والصور الفلكية في هذا الخصوص، ولكن أرى أن هذه المسألة الخلافية تناقش في أروقة الجهات ذات العلاقة مع المختصين والمهتمين من الشرعيين والفلكيين، وحتى نجنب العامة التشويش، والنزاع وكثرة القيل والقال.
هل تعتقد أن خط طول مكة المكرمة كان هو الأحق بأن يكون هو خط الطول الأساس بدلاً من جرينتش؟
:. في الواقع خط الطول الأساس (صفر) وضع اصطلاحاً عام 1884م، وعلمياً يصلح أن يكون في أي موقع في العالم، ولا مشاحة في الاصطلاح، وأرى أن يبقى النظام العالمي كما هو، فلا مرور خط الصفر فوق جرينتش قدّسها، ولا خلو مكة منه قلل من شأنها، ثم أن خط الطول الأساس (جرينتش) لا تمتلكه نقطة جغرافية واحدة، أو مدينة جغرافية بعينها، بل تنسحب الخصائص على كل النقاط التي تقع على طول خط الطول هذا، من القطب الشمالي حتى القطب الجنوبي، ومع ذلك عشرات المدن والقرى التي يمر بها خط جرينتش لم يزدها ذكراً ولا تعريفاً، ومكة المكرمة زادها الله شرفاً وتكريماً ومعروفة في السموات السبع. والذي أراه هنا وبمناسبة تدشين ساعة مكة أن يتبنى المسلمون ابتداءً وفي العالم أجمع توقيت مكة المكرمة (أم القرى) علمياً وإعلامياً.
وهل نحن مضطرون لتوحيد خط الطول الأساسي وخط التاريخ الدولي؟
:. سؤال في محله، بالتأكيد الحاجة ملحة، فخط التاريخ الدولي على سبيل المثال ضروري لإدارة الوقت وشؤون الحياة على وجه كوكب الأرض، ولمعرفة خط بداية اليوم ونهايته على مستوى العالم، ولرفع الحرج والتشويش الناتج عن كروية الأرض، وتجدر الإشارة أن هذا الخط يمكن علمياً أن ينصب في أي مكان في العالم، ولكن منعاً للتشويش، ومن أجل توحيد اليوم بين الشعوب والدول والأمصار قدر الإمكان، أُصطلح وأُتفق العلماء عام 1884م على وضعه في منطقة نائية محيطية كما هو الواقع الآن فوق المحيط الهادي.
خط التاريخ الدولي منه يبدأ اليوم وإليه ينتهي.
هل ثبت علمياً أن مكة المكرمة تقع وسط اليابسة؟ وأن مكة على خط طول واحد مع المدينة ما تفسير ذلك من وجهة نظرك الجغرافية؟
:. قرأت هذا منذ أكثر من 25 سنة، وحتى البحوث الأخيرة في هذا السياق لم أجد فيها نتائج دقيقة، وقطعية تدل على أن مكة تقع فعلاً وسط اليابسة، هذا من جهة ومن جهة أخرى لا تقع مكة والمدينة على خط طول جغرافي واحد على وجه التطابق، والصحيح أن الفارق بين الحرمين 13 دقيقة قوسية، والله أعلم وأحكم.
ذكرت بعض أبحاث الإعجاز العلمي عن عدم وجود انحراف مغناطيسي للبوصلة في مكة! ما سبب ذلك؟
:. أيضاً هذا لم يثبت علمياً، إلا عند من يتاجر في الإعجاز العلمي، فإبرة البوصلة في مكة وغيرها من البقاع تتجه إلى الشمال المغناطيسي، وتنحرف يسيراً عن الشمال الجغرافي الحقيقي (القطب)، لأسباب ليس هذا مقام بحثها وبسطها، وأضيف أيضاً أن لا صحة لمن زعم أن أركان الكعبة الأربعة تُشير إلى الاتجاهات الجغرافية بالدقة، بل فيها انحراف؛ لأن شكل الكعبة الهندسي مستطيل وليس مربعاً، لذا لا تستقيم العِبارة علمياً ولا هندسياً، وفي هذا الاتجاه أقول أيضاً: لا صحة لمن زعم أن مسار واتجاه المسعى ينطبق تماماً مع اتجاه خطوط الطول (شمالي – جنوبي) بل فيه انحراف يسير، وبهذه المناسبة أقول لمن يشتغل بمسائل الإعجاز العلمي دون ضوابط أو ثوابت، أن الإسلام معجز، ومن إعجازه أنه يلفظ الإعجاز المعّوج، والإسلام ليس بحاجة لمن يشهد له زوراً.
نسمع بالتوقيت الصيفي فما المقصود به؟
:. التوقيت الصيفي summertime، أو ما يسمى بـ Daylight Saving Time (توفير وقت النهار بالمعنى الحرفي) كما يسمى في بعض الجهات من العالم، يقصد به >> تقديم << الوقت ساعة واحدة (60 دقيقة) في فصل الربيع، وعلى وجه التحديد في شهر مارس، ومن ثم يصبح الوقت مبكراً 60 دقيقة عن الوقت القياسي (الحقيقي)، ويستمر هذا التقديم حتى فصل الخريف، وعلى وجه التحديد في شهر أكتوبر، حيث يتم >> تعديل << الوقت كما كان قبل التقديم، فتؤخر الساعة 60 دقيقة إلى الوراء، لتصبح كما كانت قبل التغيير الأول، ويسمى هذا بالتوقيت الشتوي، وعليه يمكن القول أن التوقيت الشتوي هو الأصل وهو الذي يعكس الواقع، خلافاً للتوقيت الصيفي.
يبدو أن المسألة غير واضحة، هل لنا بمثال عملي؟
:. نعم في المثال يتضح المقال: لو افترضنا أن شروق الشمس اليوم في مكة الساعة السادسة صباحاً، وغروبها الساعة السابعة مساءً، فلو طُبقت قاعدة "التوقيت الصيفي" في السعودية، وتم تقديم الساعة 60 دقيقة؛ لتغير وقت شروق الشمس في مكة، ليصبح الساعة السابعة بدلاً من الساعة السادسة، لأننا قدمنا الوقت ساعة واحدة، ولغربت الساعة الثامنة بدلاً من السابعة، وبسبب ذلك التغيير يتخيل للناس أن النهار امتد وطال أكثر من الواقع، والحقيقة خلاف ذلك، ومزيداً من البسط والإيضاح في هذه المسألة، فلو كانت بداية ساعة العمل اليومي الساعة الثامنة صباحاً فإنه بين وقتي الشروق والعمل ساعتان وفقاً للتوقيت القياسي (الشتوي) وهذه فترة زمنية طويلة، بينما عندما نطبق التوقيت الصيفي ونقدم الساعة 60 دقيقة، سيكون وقت الشروق الساعة السابعة والدوام الساعة الثامنة، والفرق بينهما ساعة واحدة فقط وهذه فترة زمنية مقبولة.
ولكن ما الهدف من التوقيت الصيفي؟
:. الهدف الأساس والقديم من هذا النظام هو من أجل كسب وقت إضافي من نور النهار خاصة في آخره، وتوفير المال المصروف للإضاءة الصناعية، وذلك في وقت مبكر من القرن الماضي، ولأن ساعات العمل في الغرب تمتد معظم ساعات النهار، لذا فإن تبكير الوقت ساعة في الصيف يتيح لهم إنجاز أعمال إضافية أخرى آخر النهار، خاصة أعمال البستنة المنزلية، أو ممارسة الرياضة، أو تناول وجبة العشاء خارج البيت (وتكون بالطبع نهاراً)، أو أي أعمال تتطلب ضوء النهار، كما تعطي وقتاً إضافياً للأطفال للبقاء مع والديهم قبل النوم، هذا من جهة ومن جهة أخرى التوقيت الصيفي يتيح عودة الناس لمنازلهم قبل حلول الظلام مما ساهم في تقليل حوادث الطرق وفقاً للدراسات العلمية، إضافة إلى ذلك مواعيد العمل والدراسة لا تتغير بين الصيف والشتاء.
ما هي الدول التي تستخدم هذا النظام؟
:. أكثر الدول في العالم تستخدم نظام التوقيت الصيفي، وأخرى قليلة لا تستخدمه، ومنها السعودية، ودول الخليج العربي، ومعظم دول وسط أفريقيا، والدول التي لا تستخدم التوقيت الصيفي عادة يسمى التوقيت عندهم التوقيت القياسي Standard time ، أو التوقيت العاديnormal time ، أو التوقيت الشتوي winter time.
ومتى يكون وقت تغيير الساعة في العالم؟
:. وقت تغيير التوقيت يختلف من دولة إلى أخرى، بل وحتى في الدولة الواحدة يحدث أحياناً أن يتغير وقت تقديم الوقت أكثر من مرة، فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وغيرهما غيروا وقت التوقيت الصيفي فأصبح التوقيت الصيفي يبدأ في الأحد الثاني من شهر مارس، بدلاً من الأحد الأول من شهر أبريل، ويبدأ التوقيت الشتوي في الأحد الأول في شهر نوفمبر بدلاً من آخر أحد في شهر أكتوبر، بل وهناك مطالبات بأن يصبح التوقيت الصيفي + ساعتين بدلاً من + ساعة، وتاريخياً اختلف مقدار تقديم الوقت، ففي الأربعينات الميلادية العديد من الدول كانت تستخدم ساعتين مقدار التغير، كما حدث أن كان مقدار التغير 30 دقيقة و 20 دقيقة فقط.
متى طُبق نظام التوقيت الصيفي؟
:. أول من اقترح هذا النظام هو بنيامين فرانكلين عام 1784م ولم تُفعل الفكرة إلا في الحرب العالمية الأولى 1916م حيث واجهت الفكرة في بدايتها رفضاً من بعض المجتمعات الغربية.
وما هو رأيك الشخصي في التوقيت الصيفي؟ وهل تنصح أن يطبق في السعودية؟
:. من المفارقات العجيبة في هذا النظام أن اليوم الذي يقدم فيه الوقت ساعة واحدة في فصل الربيع، هذا اليوم المحدد في السنة، يخسر ساعة فيصبح طوله 23 ساعة فقط !!، بالمقابل اليوم الذي يؤخر فيه الوقت ساعة واحدة في فصل الخريف، تضاف فيه ساعة إضافية فيصبح طول ذلك اليوم 25 ساعة !!، وأحسب أن هذه سلبية يقع فيها هذا النظام الدولي في معالجة الوقت، سيما أن الساعة بل والدقيقة في الحراك العالمي سواء في عالم المال والاقتصاد أو السفر لها ثقلها ووزنها، أضف إلى ذلك أن الدول المستخدمة لهذا النظام مختلفة في بداية التغيير ونهايته.
:. ومن سلبيات هذا النظام أيضاً إحداث ربكة في مواعيد الصلاة والإفطار لدى المسلمين عندما يتزامن التغيير مع رمضان، وربكة في مواعيد العمل والاجتماعات المحلية والدولية، كما يحدث أيضاً ربكة في مواعيد السفر على مستوى الأفراد وشركات النقل أيضاً، كما يربك هذا النظام مواعيد النوم وتناول العلاج، وأحياناً المزاج، وفوترة الفواتير لدى الشركات، وأيضاً تعديل الساعات اليدوية والحائطية وبرمجة الأجهزة المؤقتة Timer من أجل تعديل الوقت، هذا من جهة ومن جهة أخرى بعض الناس ينسى التعديل في حينه، أو ينسى صيغة النظام هل يقدم ساعة أو يؤخرها، وذكر عام 1999 وفي شهر سبتمبر كنت مقيماً عند عائلة إنجليزية غرب بريطانيا .. وعندما سألتهم عن التوقيت الصيفي وقلت لهم: في الشهر القادم سوف نؤخر الوقت ساعة كاملة؟ فأجابوا بقولهم: لا.. سوف نقدم الوقت ساعة كاملة! وطال النقاش وحاولت أن أقنعهم برأيي ولكن دون جدوى، على الرغم أن الظاهرة هذه تمر عليهم مرتين في السنة، ومع ذلك أخطأوا، فلا يتذكرون هل في فصل الخريف نقدم أو نؤخر الوقت ساعة؟ والقاعدة تقول: "spring forward, fall back" أي " الربيع أمام، والخريف وراء " وهو الترتيب المنطقي لفصول السنة، لذا ومن أجل الحد من الأخطاء، وإحداث ربكة فإن عملية تغيير الوقت تقع في إجازة نهاية الأسبوع، لذا لا أنصح بتطبيقه في السعودية.
وما هو البديل في رأيك في مسألة طول النهار صيفاً وقصره شتاءً؟
:. أزعم أنه يمكن حل هذه المسألة دونما تغيير في الوقت مرتين سنوياً، وإحداث إرباك على نطاق واسع بين المواطنين، والجهات الرسمية على مستوى العالم، والفكرة تكمن بالنظام المستخدم لدينا في السعودية، وهو تغيير وقت الدوام بتقديمه ساعة أو نحوها صيفاً، ولا نتعرض للساعة نفسها (أي التوقيت القياسي) بالتغيير تقديماً أو تأخيراً، وهذا يحقق الهدف المنشود من نظام " التوقيت الصيفي " فيكون التغيير في وقت العمل ووقت الدراسة، لا في الساعة نفسها. أما الدول القريبة من خط الاستواء، ودول ما بين المدارين فليست بحاجة أصلاً لنظام " التوقيت الصيفي " وذلك لاعتدال الوقت في عروضهم الجغرافية، وتساوي الليل مع النهار نسبياً ... ولله في خلقه شؤون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق