الثلاثاء، سبتمبر 06، 2011

المستهلك) أمانة في عُنق (المحتسب)

 


قبل أن تأتي العولمة بأحكامها الدنيوية، التي أرغمت كافة الدول على تطبيق قواعد حماية المستهلك ومحاربة السياسات المشوهة للتجارة، كانت شريعتنا السمحاء قد سبقتها قبل 14 قرنا لتكون أول من سنَّ مبادىء مكافحة الغش التجاري: "من غشنا فليس منا"، وأول من حرَّم الممارسات الضارة في التجارة: "لا يبع بعضكم على بيع بعض"، وأول من نبذ العقود التجارية الغامضة: "كبيع الثمر على الشجر قبل أن يبدو صلاحه". كما كان الإسلام أول من كافح الاحتكار بكافة أنواعه، كما جاء في حديث أشرف الأنبياء والمرسلين: "لا يحتكر إلا خاطئ"، وتنبيه رسولنا الكريم: "من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه".


وقبل أن تبدأ العولمة في صياغة قوانين التجارة العالمية وتنظيم ممارسات البيع والشراء في الأسواق المحلية، كانت شريعتنا السمحاء أول من عرَّف حماية المستهلك على النطاق العملي والرسمي والشعبي لدعم مبادئ الشراكة في الإسلام: "المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار". وجاء ابن تيمية ليؤكد أن مهمة مراقبة الأسواق منوطة بهيئة "الحسبة": "مهمة المحتسب مشارفة السوق والنظر في مكاييله وموازينه، وتحديد الأسعار، ومنع الاحتكار، ومنع الغش والتدليس فيما يباع ويشترى من مأكول ومصنوع، ورفع الضرر عن الطريق بدفع الحرج عن السابلة من الغادين والرائحين إلى نحو ذلك من الوظائف".


وبعد أكثر من 14 قرنا على نزول الوحي وتشرفنا بدين الحق، جاءت الاتفاقات الدولية في منظمة التجارة العالمية لتؤكد على ما سنته شريعتنا السمحاء من أحكام وقواعد لحماية المستهلك ودعم حقوقه المشروعة، من خلال الالتزام بالمبادئ الأربعة التالية:


المبدأ الأول: حق النوعية وضمان استرجاع النقود، طبقاً للمادة 18- أ(2) من اتفاقية "الجات" الخاصة بتجارة السلع، والمادة 26-7(4) من اتفاقية "الجاتس" الخاصة بتجارة الخدمات، وذلك تأكيداً على أن السلع والخدمات المباعة يجب أن ترقى للمستوى الذي يدّعيه البائع، مع ضرورة تعهده بإصلاحها أو استبدالها أو استرجاعها إذا لم ترق إلى المستوى المزعوم خلال مدة معينّة من الزمن، أو إذا كان المشتري غير راض عن السلعة أو الخدمة التي اشتراها.

المبدأ الثاني: حق الأمان المطلوب من السلع والخدمات، طبقاً للمادة 5-6 من اتفاقية "العوائق الفنية أمام التجارة"، الخاصة بالمواصفات والمقاييس، وذلك تأكيداً على أن هذه السلع والخدمات صالحة للاستخدام ولا تسبب أضراراً تستحق التقاضي والتنازع وفرض العقوبات على البائع.


المبدأ الثالث: حق المعرفة بماهية السلع والخدمات ومكوناتها الأساسية وطرق استخداماتها لتفادي أضرارها، طبقاً للمادة 6-7 من اتفاقية "التدابير الصحية والصحة النباتية"، الخاصة بتنظيم تجارة السلع الغذائية والأدوية وخدمات الطب والصحة العامة.


المبدأ الرابع: حق المشتري في اختيار السلع والخدمات التي يرغب في شرائها والمفاضلة بينها، طبقاً للمادة الأولى من النظام التجاري العالمي، الخاصة بضرورة تطبيق حق الدولة الأولى بالرعاية.


في اليوم الأول من شهر رمضان المبارك 1396 صدر المرسوم الملكي رقم (م/ 64) القاضي بتوحيد هيئات "الحسبة" تحت مسمى الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك لسهولة الإشراف والمتابعة في كافة مناطق المملكة تحت مظلة موحدة. وقامت الرئاسة بإنشاء العديد من الفروع والمراكز في مختلف المناطق والمدن والقرى، وارتفع عدد منسوبيها ليفوق 4000 محتسباً.


وبتاريخ 26 شوال 1400 صدر المرسوم الملكي رقم ( م/37) القاضي بالموافقة على نظام الرئاسة المكون من 4 أبواب و21 مادة. وحدد النظام مهام الرئاسة في إرشاد الناس وتوجيههم وحثهم على فعل الخير عن طريق الترغيب، وتنبيههم على المنكر ونهيهم عن الوقوع فيه، والعمل على ما يحول دون ارتكاب المحرمات والممنوعات شرعاً، وكذلك العمل على منع اتباع العادات والتقاليد السيئة، والبدع المنكرة، وحمل الناس على أداء الواجبات الشرعية، والحرص على أن تظهر هذه البلاد بالمظهر الحسن المشرق اللائق بها، بصفتها قلب العالم الإسلامي وقدوته ومحط أنظار المسلمين.


هذا النظام الرائع منح هيئة "الحسبة" مهام لا تقتصر فقط على مراقبة أفعال الناس في الأسواق، وقفل الأبواب للصلاة، ومنع الاختلاط بالنساء، بل خولها أيضاً العديد من المهام الجسام في كافة مجالات الحياة، التي منها التأكد من عدم جنوح الأسواق في الممارسات التجارية الضارة التي تهدد حياة وصحة وجيب المستهلك.


تصوروا لو قامت هيئة "الحسبة" بتدريب منتسبيها على أساليب مراقبة الأسواق، وتطبيق أنظمة المنافسة غير العادلة، وتنفيذ أحكام مكافحة الغش التجاري والاحتكار، وحماية حقوق الملكية الفكرية، وفض المنازعات على نسخ الأسماء التجارية، وتقليد العلامات الفارقة، وإزالة الجهالة المفضية للتنازع من شروط العقد أو صفة المنتجات والخدمات.


تصوروا لو عكفت هيئة "الحسبة" على دعم أهداف الجهات المختصة في مراقبة الأسواق للقضاء على آفات الغش والتقليد والاحتكار، وتطبيق ما أمرنا به ديننا الحنيف وطالبنا به رسولنا الكريم لتحقيق مصالح المستهلكين وضمان احتياجاتهم سواء كانوا جماعات أو أفراداً، دون أي تسلط فردي أو جماعي.


تصوروا لو أصبح رجال هيئة "الحسبة" خبراء عصرهم في تطبيق أحكام عقود البيع والشراء، وتنفيذ قواعد استغلال الثروات الطبيعية وعقود الامتياز، ولو أصبحوا علماء عهدهم في فقه الزكاة والربا والمضاربة والمزارعة والمشاركة والمرابحة.


بإمكان هيئة "الحسبة" أن تكسب بجدارة احترام التجار وثقة المستهلكين، إذا أمرت بالمعروف لحماية حقوقهم المشروعة ونهت عن المنكر لرعاية مصالحهم المكتسبة.


http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=7271

ليست هناك تعليقات: