الخميس، سبتمبر 22، 2011

وزير التربية والتعليم .. أين محلّه من العلم والتربية ؟! ..


بسم الله الرحمن الرحيم

ينبغي لنا أن ننصح بصدق، وإن آلمنا النصح، فلا تزول العلل والأمراض من الأبدان إلا بالمكابدة، وتحمُّل المريض لمن يُعالجه، علامة فضل، ورجاحة عقل، والتشافي وتصنُّع العافية، يُبيد البدن ولا يُفيده، ويُراكم العلل، حتى يُنسي بعضها بعضاً، وجسد (وزارة التربية والتعليم) جسدٌ معلول، ويأبى معالي وزير التربية والتعليم فيصل بن عبدالله –وفقه الله لمرضاته- إلا أن يصح الجسد العليل، وكم من معلول يَحمل علة زمناً فلا يقبل نصيحة ناصح، حتى يشعر باستفحالها.

وجسد وزارة التربية والتعليم جسدٌ لا يختص به وزيرها، حتى نُعرِض عنه إن تشافى أو تصنَّع العافية، ليتحمَّل أمره فقط، وندعه وشأنه، بل هو جسد كل من استظل له ولد بسقف التعليم، وإن رأى الوزير أن له الحق بالانفراد بالكلمة في ذلك، فتلك أول العلل، وهي أزمنها.

ولا يخفى أن من المسلمّات أن الإنسان يأخذ معرفته بالشيء بأحد طريقين:

 

أولاً: التعلُّم .

ثانياً: الممارسة الطويلة لعلم مُعيَّن، فيتأهل به، ورُبما تفوق الممارسةُ التعلُّمَ,

 

وبهذين يعرف العقلاء صاحب الاختصاص من الدخيل عليه.

وكل من يتولى قيادة شيء من أمر الدين والدنيا، فلا بد أن يكون وصوله إلى ما وصل إليه بأحد الطريقين السابقين، وإن وصل إليه بغيرهما فالأمر يُوجب يقظة، ونظراً في الأمر، حتى لا تتيه الأمة في طريقها، وترى أنها بعد مدةٍ تسير وراء هادٍ لا يَعرف الدليل.

التربية والتعليم وصل إلى هرمها، قائد عسكري أمضى خبرته الرسمية بين جهازين، الحرس الوطني، والاستخبارات العامة، والمرجو أنه أحسن فيما تولاه من قبل.

وقد قرأت كثيراً من تصريحات الوزير وسمعت عن بعض أفعاله، وعلى الخصوص ما يتعلق بشأن المرأة، وسعيه إلى رسم ما يُريد من أفكار تغريبية باندفاع محموم لتشريع الاختلاط والبحث عن أسبابه، وتحيُّن ذلك في المناسبات، والحديث عن المرأة في الشاردة والواردة، وإبراز المرأة في الكشافة، وإلزام بعض مسئولات التعليم باللقاء به مع إمكان استعمال الدوائر الصوتية، والتي كانت عليها البلاد لأكثر من نصف قرن، ودرس وتخرج ونبغ كثير من أبناء البلد وبناته بلا تقصير، والحديث عما يفعله معالي الوزير في جوانب متعددة:

 

أولاً: لا أعلم فيما نظرت فيه وقرأت من لوائح التعليم وأنظمته، أن يكون التعليم والتربية من شأن الوزير لا تخصصاً ولا ممارسة، ولا أعلم أن نظام التعليم يُخوّل مثله لمهنة (المعلّم) فضلاً عن المسئولية عن التعليم كلِّه، لاختلاف التخصص والتجرد من الخبرة بالكلية، وهذا لا يُنقص صاحبه، ولكن الله قد جعل لكل شيء قدراً، فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك الدراية بأمور النخل لأهل المدينة وقال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، مع كونه معصوماً إذا قال أو فعل، والمرتبة العليَّة والشرف لا يؤهل العالي في جانب أن يتولى مقاليد كل شيء، وكما لا يصح عقلاً وشرعاً أن يتولى وزير التربية أمر الصحة والطب، فكذلك لا يصح أن يتولى زمام التربية والتعليم من لا يُحسنها، وليست الأبدان بأولى من العقول والمعارف فضلاً عن الأعراض، فحفظ الأعراض أعظم عند الله من حفظ الدماء على الصحيح، فالقاتل العمد يُشفع له ليُعفى عنه وأما الزاني فالشافع فيه ثبت النص بلعنه كما في الوحي المنزّل، والجاني يُقتص منه، والمعتدي على العرض لا يُجازى بمثله لبشاعته.

 

ثانياً: ينبغي أن يولى على التربية والتعليم الصالح قولاً وفعلاً والعارف بما تولاه، وأن نُدرك حجم الأمانة، والتبعة الخطيرة عند التفريط في التولية للجاه والمعرفة والنسب، هذا موجب الأمانة، التي أخذها الله على العباد: (إنا عرضنا الأمانة على السموات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها)، وقد قيل لأحد الخلفاء: إن لفلان حقاً، فإن رأيت أن تقضيه فتوليه ناحية، فقال: إن لاتصاله بنا حقاً في أموالنا، لا في أعراض المسلمين ولا أموالهم، إنا لا نولي للحرمة والرعاية، بل للاستحقاق والكفاية، ولا نؤثر ذا النسب والقرابة على ذي الدراية والكتابة، فمن كان منكم كما وصفنا شاركناه في أعمالنا، ومن كان عطلاً لم يكن لنا عذر عند الناس في توليتنا إياه، وكان العذر في تركنا له وفي خاص أموالنا ما يسعه .

 

ثالثاً: إن العلم والتربية دين صانه الشرع من أن يتسلل إليه الدخيل عليه، فيتشوه ولو بسوء عمل حامله، فيَنقض فعلاً ما يُقرره قولاً، وكيف بمن ينقض الحق قولاً وفعلاً، ويعرضه بصورة الحق الذي لا يصح إلا هو، كما يُشاهد مراراً من رجلٍ انتسب إلى التربية والتعليم في ألواح الصحف من صور الاختلاط ومصافحة النساء، مما يُخالف العلم والعمل الذي يدعو إليه تعليم البلاد، ففي صحيح مسلم عن محمد بن سيرين قال: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.

 

وقد قرأنا ورأينا تساهل الوزير في أمر الاختلاط في صور متعددة، وهذا أمر حسمه الشرع، والأدلة في ذلك أشهر من أن تُذكر، ويكفي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق على صحته: (إياكم والدخول على النساء، قالوا: والحمو –أخو الزوج-؟ قال: الحمو الموت)، والنصوص في ذلك أشهر من أن تُذكر بينتُها في رسالة (الاختلاط .. تحرير .. وتقرير .. وتعقيب) وأما من حاول التسوّر على نصوص الشريعة المُحكمة باستحداث فتوى لفلانٍ وفلان، فنحن في زمن أمكن فيه استحداث أكبر من ذلك.

إن المنتسب إلى العلم والتربية، يجب أن يصح فعله مع صحة قوله، والتأهل للتعليم والتربية بالخبرة والعلم فقط -إن وُجدا- من غير نظر في عمله من أعظم الأخطاء عند جميع العارفين، فعن أبي العالية رفيع بن مهران قال: كنا نأتي الرجل لنأخذ عنه، فننظر إذا صلى، فإن أحسنها جلسنا إليه وقلنا هو لغيرها أحسن وإن أساءها قمنا عنه وقلنا هو لغيرها أسوأ.

وإننا نرى كثيراً من سلوكيات الوزير مخالفة لمنطوق الشرع ومفهومة، من تقرير الاختلاط في المحافل والاجتماعات، وإلزام مسئولات التعليم والتربية بلقائه، والجلوس معه بالساعات الطويلة وهذا ما لا يُجيزه مذهب فقهي مُتبع على مرِّ العصور، بعيداً عن ليّ الأفهامِ لبعض الأقوال، والتي عُبدت الأصنام بأدنى منها تأويلاً للنصوص.

 

وحينما يسوِّغ الوزير الاختلاط بقوله: (ينبغي أن نبتعد عن الشك)، نُدرك مدى القصور في إدراك حدود الشرع، والبعد عن أُصول الفطرة، وأما ادعاء الترفُّع عن مغروس فطري غريزي فمردُّه إلى أمرين:

الكذب في الدعوى .

أو الصدق مع عدم سلامة الفطرة.

فقوم لوط عليه السلام حينما وقعوا في الفاحشة تنكروا لدعوة التصحيح الإلهية، وتهكموا بمن يُنكر عليهم الفُحش:«فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ»، وهذا النوع من المحاججة يعني أن أُصول الفكر والفطرة مُبدلة، وهذا أشق أنواع المناظرات، وادعاء الثقة بالخُطى والقناعة بالرأي، والتهكم بالمخالف، دعوى حملها جميع أصحاب الأفكار والعقائد حتى كفار قريش وقبلهم قوم نوح وقوم هود وقوم صالح.

وإذا كان الوزير لا يُمانع من التماس بين الرجال والنساء والاختلاط، فلا يبقى إلا الوقوع في الزنا، وهذا ما لا يُقره الوزير، ولا يرى أن التماس والاختلاط وسائل موصلة إليه، وإنما يقع الناس في الزنا كما يقع القطر من السماء في الأرض بالأقْدار المحضة، بلا أسباب، وهذا انفصال فكري كبير، فالغرب اليوم يعلم أن الاختلاط طريق إلى الزنا لأنه لا يُمانع من وقوع الزنا أصلاً برضا الطرفين، والوقوف في المنتصف بين الأسباب والنتائج هُزال فكري، وفصل بين القوس ووتره، وكيف الرماية عن قوس بلا وتر.

وبهذا نُدرك أيضاً أن دعوات الوزير إلى رياضة البنات ودمج الصفوف، هو تقرير لغاية لا يرى خطورتها، فالنقاش معه في أمر الوسائل فضول .

 

رابعاً: إن المتابع لمسار التربية والتعليم النسائي منه خاصة يُدرك أن وضع القيادات الحالية ما هو إلا لتمرير مشاريع تغريبية من داخل الوسط التعليمي النسائي، ويظهر هذا في تنحية كثيرٍ من القيادات النسائية الصالحة، ووضع قيادات أخرى بديلة قابلة للتوجه الجديد، تم انتقاؤها بعناية من جامعات وكليات وغيرها.

وظهر العمل على الاجتماعات المختلطة بين رجال ونساء التعليم في المناطق، ومنع أي توجه للفصل، والعمل على تنحية أي قيادي يُخالف مثل هذا التوجه ولو ببطء وتَباعد، مما جعل القيادات الصالحة تتساقط على مراحل متفرقة، بلا إثارة أو تشويش، ومثل هذا لا يُدركه الكثير.

 

خامساً: ينبغي لنا أن نُدرك أن قوانين الأمم ودساتير الدول، حتى التي لا تُؤمن بخالق يُسيِّر، لا تُجيز لأحد أن يقضي في أمرٍ إلا بناء على أمرين:

أولاً: قوانين البلاد ودساتيرها.

ثانياً: رغبة المجتمعات والشعوب .

فإن كان وزير التربية يسير على دستور هذه البلاد، فقول علمائها معلوم معروف، وإن كان على رغبة المجتمعات كما يسير الغرب اليوم فللمجتمعات رغبات يَعرفها من تنفس هواءها، وقد لا يُدرك هذا من فرض على نفسه عُزلة فكرية، فلا يسمع ولا يرى إلا ما يُريد.

وأما إن كان الوزير يُريد إمرار مشاريع فكرية معيَّنة على أبناء البلاد وبناته، فهذا ما يجب على المجتمع اليقظة معه، ولا يجوز إن كان كذلك أن يتولى على التعليم والتربية، ولا أن يُطاع إن أمر في غير ما يُرضي الله.

تولى الله لهذه البلاد رعاةً ورعيةً التوفيق لهداه، والحياطة من الشر، وقدّر لها الخير حيث كان .

عبدالعزيز الطريفي

ع ق  666

ليست هناك تعليقات: